متسبية رمون هي بلدة فريدة تقع على منحدر جُرفٍ كبيرٍ في قلب النقب، وتطل على مناظر جُرن رمون الخلابة. بسبب موقعها على ارتفاع 800 مترًا فوق سطح البحر، طقسها مريح للغاية. في الشتاء تكون باردة، لكن أيام الشتاء الماطرة معدودة، وفي الصيف يكون الطقس لطيفًا وباردًا في الليل بسبب ارتفاعها وانعدام الرطوبة.
أقيمت متسبيه رمون عام 1956 كبلدة تعاونيّة، واليوم هي مجلس محليّ يعيش فيها أكثر من 5,000 نسمة. تقع هذه البلدة الصحراويّة في قلب محميّة طبيعيّة على جبل النقب المرتفع، وتعتبر حتى اليوم أكثر بلدة معزولة في البلاد. بالقرب منها تقع مدينة بئر السبع من الشمال، وإيلات من الجنوب. تحمل هذه العزلة أفضليات كبيرة، مثل الهدوء والطبيعة المتوافرة، وبفضلها تشكل البلدة حيّز إلهام. بفضل انعدام التلوّث الضوئيّ تشكل متسيبه رمون موقعًا رائعًا لمراقبة السماء وفيها أكبر مرصد للنجوم في البلاد.
إقامة متسبيه رمون
حتى خمسينيّات القرن الماضي كانت المنطقة التي أُقيمت عليها متسبيه رمون تابعة لعشيرة العزازمة البدويّة. بعد حرب الاستقلال أُقيمت هناك قاعدة عسكريّة اسمها معسكر الاستقلال. في عام 1953 بدأت شركة “إيڤِن ڤسيد”، التي أسهها أعضاء كيبوتس “سديه بوكِر”، باستخراج الجبس من جرن رمون، بينما عملت شركة “حرسيت ڤحول زاخ” على استخراج الصلصال من الجرن. في تلك الفترة تم تعبيد شارع 40 من بئر السبع إلى إيلات، وشق طريق “معلية هعتسمئوت” وهو الطريق المؤدي إلى جرن رمون. وكان الرئيس الأول لحكومة إسرائيل، داڤيد بن غوريون، قد التقى أعضاء كيبوتس “سدية بوكر” لأول مرة في طريقه إلى الاحتفال في افتتاح طريق “معليه هعتسمئوت”. ربما هناك راودته فكرة الانتقال للعيش في الكيبوتس لبقية حياته. تم نصب الخيام على امتداد حافة المنحدر للعاملين في المحاجر وتعبيد الشوارع. لاحقًا قام أعضاء كيبوتس “سديه بوكر” بشراء معسكر الاستقلال وحولوه إلى فندق نبطي لتوفير خدمات المبيت للمسافرين والوجبات للعمال.
في عام 1956 نجح حجاي أڤرئيئل، من مؤسسي سديه بوكر، في تحقيق حلم تأسيس جمعيّة تعاونيّة حضريّة. فترك الكيبوتس وجمع بعض العائلات من أنحاء البلاد وأسس “مجموعة العمال الزراعيين التعاونيّة لمتسبيه رمون” كجمعيّة تعاونيّة. كان هدفه إقامة مستوطنة دائمة، تعتمد على المناجم والزراعة والسياحة. أقيمت المستوطنة بفضل قرار الحكومة بتأسيس بلدة هناك. في تاريخ 26.5.1956 انتقل 12 عضوًا من الجمعيّة للسكن هناك. وقامت وزارة الإسكان بإقامة بركة سباحة، بيوت السقيف، عيادة، مدرسة وبقّالة. في شهر نيسان 1957 كان في متسبيه رمون 40 حدة سكنية. سكن أعضاء الجمعيّة في نصف هذه البيوت وفي النصف الآخر سكن عمال المناجم وموظفو شركة مكوروت.
أدت عزلة البلدة وانعدام الدعم الحكوميّ إلى صعوبات اقتصاديّة وخلافات بين السكان. في عام 1957 حُلّت الجمعيّة وجرى تسليم البلدة إلى الحكومة ومؤسسات الاستيطان. وهكذا تحوّلت متسبيه رمون إلى سلطة بلديّة، تعمل الحكومة ووزارة الأمن على تطويرها.
تطور البلدة
في بداية الستينيّات تم توجيه بعض المهاجرين الجدد إلى متسبيه رمون المنعزلة، معظمهم من شمال أفريقيا، والبعض من أوروبا الشرقيّة. في هذه الفترة أُقيم المركز الثقافيّ والبقالة ونُزل الشباب. وصادقت عيادة المرضى العامة على إرسال طبيب للسكن في البلدة، شرط أن يتم تمويل نصف راتبه (تم الحصول على التمويل من وزارة الأمن). كما عملت شركة “مكوروت” على ربط بركة السباحة بالمشروع القطريّ للمياه وبدأت بإمداد البلدة بالمياه.
نشرة البلدة من العام 1961 تصف 115 معيلًا من أعضاء الهستدروت العامة، الذين يعمل معظمهم في شركة “إيڤِن ڤسيد” أو “حرسيت ڤحول زاخ” وهم يتوجهون في كل يوم للعمل في الجرن. في المقابل، جذبت البلدة مجموعات أخرى، مثل مجموعة كبيرة من الطيارين الشباب من مركز البلاد، التي حاولت دون نجاح إقامة تعاونيّة حضريّة أخرى. اعتمدت البلدة بشكل جزئي على المسافرين في الطريق إلى إيلات، لكن تعبيد طريق وادي عربة أبعد حركة السير عن البلدة وأضر كثيرًا في اقتصادها.
رغم الاعتماد على مناجم الجرن، رأي البعض في متسبيه رمون فضاءً مُلهمًا، ففي عام 1962 اجتمع بمبادرة من النحّات قوسو العديد من النحّاتين على جُرف الجرن في ندوة عالميّة بشّرت في إقامة حديقة النحت الصحراوي. وفي أوا سط الثمانينّات أُلحقت في الحديقة أعمال لفنانين آخرين، وتم بقيادة الفنّان عزرا أوريون إقامة حديقة التماثيل الرسميّة.
في السبعينيّات عاش في البلدة نحو 1,500 نسمة. وفي بداية الثمانينيّات، مع التوقيع على معاهدة السلام مع مصر، تم نقل القواعد العسكريّة إلى النقب، وعملت وزارة الأمن على بناء المسكان في متسبيه رمون وتوطين العديد من عائلات الجنود هناك. وبمساعدة سلطة الطبيعة والحدائق تم إقامة مجمع بارك رمون على سفح الجرن، والذي ضم مركزًا للزوار، وزاوية حيوانات رمون ومركز علوم رمون.
في نهاية الثمانينيّات تواصل التطوير السياحيّ، وتضاعف عدد السكان حتى وصل إلى نحو 3,000 نسمة. ومع موجة الهجرة من دول الاتحاد السوفييتي سابقًا لجأ العديد من المهاجرين إلى متسبيه رمون، كما أزداد عدد السكان المتدينين: فتعاظمت قوة الجماعة التوراتيّة وجذبت العديد من المتدينين الجدد. ومع إقامة المزارع الفردية في ضواحي البلدة ازدادت الحركة السياحيّة، وتم إنشاء ربع طريق البخور والعديد من المبادرات السياحيّة الأخرى.
متسبيه رمون، الألفية الثانية
مع الوقت تغير التعامل مع البلدة، وبدأ السكان اعتبارها فضاءً للإلهام والعمل الفنّيّ، ومكانّا للتطور الشخصيّ والحياة المستدامة، وليس مجرد بلدة تطوير. معظم مساحة الجرن والمناطق المحيطة في متسبيه رمون تعتير محميّة طبيعيّة، ويساهم السكان في حماية الطبيعة والحفاظ على طابع البلدة الفريد كنقطة التقاء بين الطبيعة والحيّز الحضريّ.
وفق معطيات دائرة الإحصاء المركزيّة، يبلغ عدد سكان متسبيه رمون اليوم نحو 5.500 نسمة، وهناك مجموعات سكانيّة متنوعة جدًا، تضم العلمانيين والمتدينين والمهاجرين الجدد والقدامى، والبدو العرب. تقلصت الصناعات المحليّة وأخلت مكانها للجاليريهات، والورشات والحرف اليدويّة، التي تعود بغالبيتها إلى مبادرين محليين. كما تنامت مبادرات إقامة التعاونيّات في البلدة، مثل تعاونيّة “هعچلة” والتي تشكل مصدر تقليد للعديد من المجتمعات في أنحاء البلاد. وأقيمت في البلدة العديد من المبادرات التجارية ذلت الطابع الاجتماعيّ.
بلدة متسبيه رمون الألفية الثانية هي حيزٌ سياحيّ متطور, على سفح الجرن يقع فندق “بريشيت” الفخم، وقد اختفت المناجم من مشهد الجرن ويتم إعادة تأهيل مناطق المناجم بجهود كثيفة. ويعمل المجلس المحليّ بمساعدة السكان ومؤسسات الخُضر على تطوير مشاريع فريدة، مثل الإعلان عن متسبيه رمون محمية طبيعية “شمي ليلة”، والاعلان عن الجرن كموقع تراث عالميّ. وبدء العمل على تطوير ربع طرق البخور، حيث يجد السواح هناك العديد من الجاليريهات والحوانيت الخاصة والورشات وأماكن الترفيه والمبيت. وضمن مشروع “سفات ميدبار” أقيمت العديد من المبادرات الزراعيّة، التي تدمج بين السياحة والزراعة الصحراوية. وهناك في قلب الصحراء، على غرار الحقبة البيزنطية حيث ازدهرت الزراعة في المنطقة، زرعت أشحار الزيتون وكروم العنب، وأقيمت الخمارات الثمينة ومعاصر زيت الزيتون الصحراوية.
السياحة والترفيه في متسبيه رمون
مركز الزوار في جرن رمون
في السنوات الأخيرة تم ترميم مركز الزائرين التابع لسطلة الطبيعة والحدائق. وهو يقدم في شكله الجديد طعمات من عالم طبيعة جرن رمون إلى جانب موروث رجل الفضاء الإسرائيليّ إيلان رمون، الذي توفى في تحطم السفينة الفضائيّة كولومبيا.
متمشى الجرن
يطل المتمشى على منظر الجرن الخلاب، ويمكن التسلق لمسافة قصيرة إلى جبل الجمل، حيث تلة المراقبة الجميلة التي تشبه بشكلها هيئة الجمل جالسًا، أو زيارة موقع الجمل، وهو موقع استيطان صغير ومثير عمره نحو 5,000 سنة.
المزارع الفرديّة
المزارع المحيطة في متسبيه رمون هي جزء لا يتجزأ من البلدة، ولكل مزرعة ميزاتها الخاصة بها. في ظل الجبل يوجد مصنع النبيذ ومنظر رائع للجرن، وهناك حديقة جمال الألباكا الفريدة، ومعصرة الزيتون وكروم جبل النقب. ومزرعة “نوعام” وأشجار البساتين، وخمور مزرعة “نانا”، والمنتجع في كروم “شيزاف” وغيرها. غالبية المزارع تُوفر المبيت في بيوت الضيافة أو الخيم.
نشاطات وفعاليات جاذبة
في متسبيه رمون تجدون العديد من الفعاليات الجذابة والأنشطة السياحيّة – هبوط الجبال بالحبال، جولات الجيبات، رصد النجوم، جولات إلى جرن رمون أو إلى جبل رمون الشاهق وغيرها. تجدون المزيد من التفاصيل على الموقع السياحي جبل النقب.
ربع طريق البخور
في المدخل الشمالي لمتسبيه رمون حيث المنطقة السياحية تجدون المقاهي، والمطاعم، والجاليريهات، وورشات الخشب والفخار، وأماكن خاصة للنوم، وهناك مركز الارشاد، ومحطة الراديو المحلية ومتحف التراث القوقازي. ونقترح عليكم زيارة المكان والتعرف على مجموعة متنوعة ومثيرة من السكان المحليين.
وبالطبع – حديقة النحت الصحراوي
كتابة: إفرات كيدم زيلبرت